تعدين الفضاء: ثروات في السماء

لم يَعُد ذلك الفضاء المبهر بألوان ناسا، ولا ذلك الحٌلم في الخيال، بل صار يمثل السياحة، المعلومات، التعدين والفوز في المعارك قبل أن تبدأ على الأرض.

يا سادة من يملك الفضاء يملك الاقتصاد، ومن يملك الاقتصاد، يملك القوة بكل مستوياتها، ومن يملك القوة، لا أحد يلعب معه بأجندات استعمارية، فالأسد مستحيل أن تلعب معه حيوانات الغابة إطلاقاً، وتسابق الفضاء خلال الحرب البادرة خير برهان.

ونظرًا لأسباب عديدة مع التدهور البيئي على يد البشر واستهلاك الموارد الطبيعية سواء البلاتين في سيارات الهيدروجين وغيرها من الموارد بشكل متزايد والصراع عليها.

وبالرغم من أن الأرض مليئة بالموارد التعدينية التي لم نستخرجها بعد وبالأخص في أفريقيا، فقد اتجه القادة العلميين نحو الحصول على المعادن من الكواكب والأجرام السماوية القريبة من الأرض، فيما يُعرف بتعدين الفضاء.

تاريخ التعدين في الفضاء

تاريخ استكشاف الفضاء بدأ قبل عام ١٩٧٠، وقبل ذلك كان تعدين الفضاء موجوداً فقط في أفلام الخيال العلمي، وفي الوقت ذاته كان الباحثون يمهدون بالحديث عن فوائده والأرباح التي ستأتي منه، مع التعويل على قلة الإمكانيات وتأخر التقنية.

في سبعينيات القرن الماضي، بدأ اهتمام الباحثين بتعدين الفضاء؛ فقد كان لمهمة أبولو 12 عام ١٩٦٩ الدور الأكبر في ذلك -شغل عالِم الجيولوجيا المصري فاروق الباز دوراً محورياً في تلك الرحلة- فبعد ٣ سنوات من وطأة الإنسان الأولى على القمر، أحضرت بعثات ناسا ٣٨٢ كجم من صخور ورمال القمر على طول عدة رحلات في فترات مختلفة.

وعلى مدار ست بعثات، أحضر رواد الفضاء أكثر من ألفين عينة (بالتحديد ٢٢٠٠ عينة) من ستة مواقع مختلفة على نطاق واسع، ودراستها لتحسين الفهم البشري لعِلم المعادن والصخور على سطح القمر.

في أثناء ذلك وبعد مهمات ناسا بقليل، أحضرت ٣ بعثات سوفيتية آن ذاك ٣٠٠ جرام من عينات القمر، ومن ضمنها التربة التي جمعتها بعثة لونا ١٦ والمماثلة في طبيعتها لتلك التي جمعتها ناسا خلال أبولو ١٢.

سِباق إلى الفضاء

بعد مهمة أبولو ١٧ عام ١٩٧٢، تحول اهتمام الباحثين من التعدين على القمر إلى وجهة أخرى وهي التعدين في الكويكبات.

ففي ثمانينات القرن الماضي اتجه العلماء لتعدين الكويكبات القريبة من الأرض، لأنها غنية بالمواد الخام التي يمكن استخراجها، ومع أواخر الثمانينات، صار الاتجاه نحو قمري المريخ، فوبوس وديموس.

أما في عام ٢٠٠٣، أرسلت الوكالة اليابانية لاستكشاف الفضاء مركبة هايابوسا لكويكب ايتوكا القريب من الأرض، كأول محاولة ناجحة لمركبة تهبط على كويكب وترجع بسلام، وقد جمعت ما يزيد عن عشرة آلاف حبة غبار من سطح ذلك الكويكب.

عام ٢٠١٢، أعلنت وكالة ناسا عن مشروع الماكينات الآلية للتنقيب على الكويكبات، والذي يهدف إلى تقييم وتسهيل إمكانية تعدين الكويكبات بسهولة.

ويأتي عام ٢٠١٦، طورت شركة (Deep Space Industries) وجامعة سنترال فلوريدا، روبوت (Honeybee) لاستخراج الماء من الحطام الصخري.

عام ٢٠٢٠، تنطلق دولة الإمارات لدراسة الغلاف الجوي للمريخ بإطلاق مسبار الأمل، كما جمعت مركبة هايابوسا اليابانية أول عينة من لُب كويكب وأعادتها إلى الأرض بسلام.

وفي 2022، اكتشفت وكالة الفضاء الصينية معدن جديد على القمر.

ماذا عن 2023؟ الآن توجد شركات لإنتاج أدوات الكشف عن الخامات والتعدين في الفضاء بكل مراحله مثل شركة (honeybeerobotics)، ويستمر سباق غزو الفضاء ويتطور عاماً تلو الآخر.

اقتصاديات الفضاء

صرح كلًا من عالم الفيزياء الفلكية نيل ديجراس تايسون (Neil deGrasse Tyson)، وشركة غولدمان ساكس بأن

أول شخص يحصل على ثروة تريليونيه سيجني أمواله من تعدين الفضاء

ولا عجب من التريليونات والقيمة الإقتصادية العالية لأن هناك التالي:

• كويكب (سايكي ١٦): يحتوي على كميات هائلة من الذهب والبلاتين، قدّرها المحللون بحوالي 700 كوينتيليون دولار (أي 700 يليه 18 صفرًا) أو 700 مليون تريليون دولار!
• كويكب ريوغو (Ryugu): تحت الدراسة ويُجرى مسحه بمركبة الفضاء اليابانية هايابوسا، وتبلغ قيمته الاقتصادية حوالي ٨٣ مليار دولار أمريكي من النيكل، الحديد، الكوبالت، الماء، النيتروجين، الأمونيا والهيدروجين.
• كويكب Bennu: تدرسه حاليا مركبة الفضاء (OSIRIS-REx) التابعة لناسا، يحتوي على نحو 700 مليون دولار أمريكي من الحديد، الهيدروجين، الأمونيا والنيتروجين.
• كويكب Didymos: يحتوي على نحو 62 مليار دولار أمريكي من النيكل والحديد والكوبالت.

وأيضاً كشفت الأبحاث بأن سماء بعض الكواكب تمطر ألماس والبعض مُهيئ لذلك مثل نبتون، أورانوس، المشترى وزحل، ويتصور العلماء بأن هناك العديد من الكويكبات والمذنبات التي تحتوي على جليد الماء والمواد المتطايرة الأخرى (الأمونيا والميثان)، كما أن للمريخ سُحب جليدية.

يمكن حصاد الجليد المائي واستخدامه لتزويد الرحلات الفضائية طويلة المدى، وآلات التعدين العامِلة ببخار الماء كوقود لها.

وبالتوازي، تُشير شركة (Planetary Resources) العاملة في إنتاج تقنيات تعدين الفضاء، إلى أن هناك ما يقرب من 2 تريليون طن متري جليد مائي في النظام الشمسي، والذي تكمن قيمته في تحويله لوقود للمركبات الفضائية.

مواقع التنقيب الفضائي

• مدارات حول كوكب الأرض
• سطح القمر
• سطح المريخ وما حوله
• حزام الكويكبات

موارد القمر الطبيعية

القمر هدف رئيسي للتعدين الفضائي؛ مُرشح لأن يكون الموقع الأول للتعدين التجاري، ليس لجماله، ولكن لعدة أسباب.

مزايا القمر في التعدين:

1. قريب من الأرض: يتطلب رحلة تستغرق عدة أيام فقط باستعمال صاروخ.
2. اتصالات أسهل: هناك تأخير في الاتصال مدته ثانيتين فقط، وهو تأخير صغير بما يكفي للسماح بتشغيل الآلات عن بُعد من الأرض.
3. انخفاض جاذبية القمر: تدل على الحاجة القليلة للطاقة لإيصال الموارد التعدينية إلى أحد المدارات حول الأرض.
4. جفاف القمر بالمقارنة بالأرض.

أكدت الدراسات الأخيرة وجود كميات كبيرة من الجليد المائي الكامن في الحٌفر المظلمة في القطبين القمريين، علاوة على أن الرياح الشمسية قد نتج عنها رواسب كبيرة من الهيليوم 3 عبر المناطق الاستوائية في القمر، وعلى ذلك فالهيليوم3 مصدر وقود محتمل لمفاعلات الاندماج النووي.

الهيليوم 3: هو نظير خفيف مستقر غير مشع من غاز الهيليوم

ذلك النظير مليء بالطاقة، وعند تحريرها على سطح القمر، سيخرج ضوء شديد يزيد من ضوء الشمس القادم للأرض والذي تستقبله الألواح الشمسية على الأرض كمصدر للطاقة النظيفة والآمنة، أو يمكن استخدام الهيليوم 3 في تشغيل سفن الفضاء السريعة.

بين المياه المتجمدة والهيليوم 3، يمكن أن يكون القمر محطة انطلاق نحو مزيد من الاستكشاف للنظام الشمسي.

أنواع كويكبات التعدين الفضائي

نوع C (الكوندريت)

كويكبات كربونية، تتكون من صخور الطين والسيليكات، وهي الأكثر وفرة والأقدم في النظام الشمسي، تحتوي على كميات وفيرة من المياه، ويمكن استخدامها كمصدر للوقود.

نوع S

هي كويكبات ذات تركيبة صخرية، تتكون من مواد السيليكون والحديد والنيكل، وتتوفر بنسبة 17% من مجموع الكويكبات، مما يجعلها ثاني أكثر الأنواع توافراً بعد النوع C.

نوع M (الكويكبات المعدنية)

هي كويكبات بيضاء أو فاتحة اللون، مصدر النيازك الحديدية، وهي النوع الثالث من الكويكبات الأكثر توافرًا.

تقنيات الاستخراج

تعتمد تقنيات الاستخراج وطرق جلب الماء والمعادن من الكويكبات بناءً على نوع الكويكب والخام الذي نريد استخراجه، وبعد ذلك نحدد طريقة الاستخراج المناسبة الأقل تكلفة والأعلى إنتاجاً، ومعظمها يعتمد على الآلات ذاتية العمل.

التعدين السطحي

مثلما يحدث في المناجم السطحية على كوكب الأرض، تنكشط المواد المعدنية من القشرة باستخدام مغرفة أو مضخة لولبية لنقل حبيبات الخام.

وللحصول على كميات أكبر من الخام، نلجئ إلى طريقة تسمى الانتزاع النشط (active grab).

هنالك أدلة قوية على أن العديد من الكويكبات لديها أكوام ركامية مفككة من الصخور مما يجعل نهج التعدين السطحي ممكنا، كما يمكن للماكينات الآلية جمع الصخور الغنية بالمعادن من سطح الكويكب باستخدام الخاصية المغناطيسية، ونقلها بعد ذلك إلى محطة تكرير وتنقية مركزية.

المكابس المغناطيسية

طريقة أخرى تعتمد على الخاصية المغناطيسية للصخور حيث هناك بعض الكويكبات ذات المحتوى المعدني العالي، وهي مغطاة بحبيبات معدنية مفككة والتي يمكن جمعها باستخدام مغناطيس.

التعدين العمودي

طريقة أخرى من التعدين، تستخدم نظام مكون من عدة ماكينات آلية لتقوم بحفر منجم في الكويكب واستخراج المواد الخام بحيث يقوم روبوت الحفر بنقل المواد إلى السطح من خلال اسطوانة لنقلها إلى محطة المعالجة باستخدام ماكينة آلية آخري.

التسخين

اختبر استخراج المياه من الكويكبات في عام 2016 بواسطة أدوات شركة (Honeybee Robotics) وجرى تطويرها لتتلاءم مع التنقيب على الكويكبات الكربونية والجافة.

بعض الكويكبات حالها حال المركبات الكربونية التي تحتوي على درجة رطوبة، وبتسخينها، نستخرج منها المياه وغيرها من المواد المتطايرة، أو تفجير الكويكب بالحرارة لجمع المعادن أثناء صهره.

عملية موند (Carbonyl)

يأتي خام النيكل بالعديد من الشوائب حيث يكون على هيئة أكسيد نيكل مع شوائب أخرى، وتقنية موند تختصر خطوات كثيرة في استخراج النيكل النقي، وعلى ذلك فإنه يمكن استخراج النيكل والحديد من أحد الكويكبات باستخدام تلك التقنية.

التكرير

يحدث التكرير من خلال استخدام مصافي لفصل المواد بناءً على درجة كثافتها، أما على الكويكبات منخفضة الجاذبية، سيستخدم المنقبون أجهزة الطرد المركزي لتنقية الخام على تلك الكويكبات.

تحديات غزو الفضاء

• ارتفاع تكلفة الرحلات الفضائية: متوسط تكلفة إطلاق رحلة فضائية يبلغ 152 مليون دولار في وكالة ناسا، ومع ذلك، فإن مشروع المركبات الفضائية لشركة (SpaceX) قد خفض تكلفة الإطلاق إلى 62 مليون دولار، ويستمر خفض التكلفة مع الوقت والتطوير.
• يتطلب دقة عالية جداً: الأمور شديدة التشابك وواسعة جداً لدرجة تتطلب حساب كل شيء بدقة ليمكن الجزم بتحديد أنسب كويكب للتعدين، مما يحتاج إلى جمع معلومات شاملة حول الكويكب المحدد وتحليلها، فهناك آلاف الأقمار الصناعية حول الأرض وبعضها حول الكواكب الأخرى والتلسكوبات الموجه نحو استكشاف الفضاء.
• اختلاف البيئات التجريبية: يتطلب إجراء اختبارات في بيئة مشابهة أو قريبة التشابه من موقع التعدين لتقليل نسبه الخطأ وزيادة دقة التعدين لإنجاح المهمة.
• وجود العامل البشري: يمكن أن يصبح الافتقار إلى الوجود البشري على الكويكب لإصلاح الآلات في الفضاء أثناء التعدين تحدي أيضًا.

معاهدات الفضاء

نتيجة للخلافات التي نشأت بين الدول على ملكية الفضاء والتحكم بثرواته، كان من الضروري اصدار معاهدات واتفاقيات لتنظيم التعدين في الفضاء.

معاهدة الفضاء الخارجي

معاهدة الفضاء الخارجي أو معاهدة المبادئ المنظِمة لأنشطة الدول لاستكشاف واستخدام المجال الخارجي، بدأت بتوقيع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة عام 1967؛ انضمت 98 دولة إلى المعاهدة، ولكن لم يوقع عليها سوى 27 دولة فقط.

بعض بنود الاتفاقية:

1. يجري استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه لفائدة جميع البلدان ولصالحها، ويكون من اختصاص البشرية جمعاء.
2. الفضاء الخارجي مجاني للاستكشاف والاستخدام من جانب جميع الدول.
3. لا يخضع الفضاء الخارجي للاستيلاء الوطني بادعاء السيادة، أو عن طريق الاستخدام أو الاحتلال، أو بأي وسيلة أخرى.
4. لا يجوز للدول أن تضع أسلحة نووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل في المدار أو في الأجرام السماوية أو أن توضع في الفضاء الخارجي بأي طريقة أخرى.
5. ولا يستخدم القمر والأجرام السماوية الأخرى إلا للأغراض السلمية.
6. ويعتبر رواد الفضاء مبعوثين للبشرية.
7. تكون الدول مسؤولة عن الأنشطة الفضائية الوطنية سواء قامت بها هيئات حكومية أو غير حكومية.
8. تكون الدول مسؤولة عن الضرر الناجم عن أجسامها الفضائية.
9. تتجنب الدول التلوث الضار للفضاء والأجرام السماوية.

اتفاقية القمر

عام 1979؛ أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية القمر والتي تنص على ما يلي:

• أن عمليات التنقيب على سطح القمر والأجرام السماوية الأخرى يجب أن تكون لأغراض سلمية.
• لا بد بإبلاغ الأمم المتحدة بمكان وسبب تخطيط أي دولة لبناء محطة فضاء.
• يعتبر القمر وموارده الطبيعية إرثًا مشتركا للبشرية.
• إنشاء نظام دولي لتنظيم استكشاف الموارد عندما توشك هذه الاستكشافات أن تكون مجدية.

ولكن تكمن المشكلة في توقيع 11 دولة فقط وليس من ضمنها الصين، أمريكا، روسيا وأيضًا بريطانيا.

تساؤلات؟

مصادر

1. New mineral found by Chinese scientists، وكالة الفضاء الصينية، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
2. Handbook of Space Resources، من موقع springer.com، الاطلاع عليه بتاريخ 26-2-2023.
3. The history of space mining من موقع “businesspostbd”، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
4. ثروات الفضاء- الصراع المقبل بين القوى العظمى، مركز سمت للدراسات، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
5. How to Mine an Asteroid من موقع “popsci.com”، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
6. Asteroid Mining من موقع “web.mit.edu”، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
7. Space Mining: What Resources Would We Compete for in Space? من موقع “latinamericanpost”، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
8. Asteroid Mining to Shape the Future of Our Wealth من موقع “interestingengineering.com”، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
9. Asteroid mining من وقع “wikiwand.com”، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
10. What Is Space Mining? من موقع “fos.cmb.ac.lk/blog”، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
11. Treaty on Principles Governing the Activities of States in the Exploration and Use of Outer Space, including the Moon and Other Celestial Bodies من موقع”unoosa.org”، الاطلاع عليها بتاريخ 26-2-2023.
12. The Extraction of Nickel from its Ores by the Mond Process1 من موقع nature.com، الاطلاع عليها بتاريخ 23-5-2023.
13. Mond (Carbonyl) Process: Definition & Applications، من موقع study.com، الاطلاع عليها بتاريخ 23-5-2023.
14. asteroidminingcorporation من موقع asteroidminingcorporation.com، الاطلاع عليها بتاريخ 23-5-2023.
15. مشروع مسبار الأمل، مركز محمد بن راشد للفضاء، الاطلاع عليها بتاريخ 23-5-2023.
16. كتاب رحلات الفضاء: تاريخ موجز، مؤسسة هنداوي، الاطلاع عليها بتاريخ 25-5-2023.