بيولوجيا الفضاء

بيولوجيا الفضاء وأحوال الحياة في الكون

منذ أن نظر البشر الأوائل إلى السماء لأول مرة، وتخيلوا النجوم على أنها نيران بعيدة تدور حولها الكواكب، تسائل البشر عما إذا كنا وحدنا في هذا الكون.

أدلى الإغريق القدماء برأيهم في هذا الأمر، وقالوا إن كوكبنا ليس هو المهد الوحيد للحياة، لكنهم افتقروا إلى التكنولوجيا التي تثبت معتقداتهم.

وفي أواخر القرن العشرين أدى اكتشاف بقايا البكتيرية في نيزك قادم من المريخ في عام 1996، واكتشاف الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى في مجرات بعيده إلى طرح مسألة وجود الحياة خارج الأرض مره اخرا.

ليأتي علم الاحياء الفلكي في القرن الحادي والعشرين ليجيب على هذا السؤال القديم، فما هو علم الاحياء الفلكي؟

تعريف علم الحياء الفلكية(astrobiology)

علم الأحياء الفلكي هو مجال علمي يهتم بدراسة الحياة في الكون، يتضمن ذلك البحث عن الحياة خارج الأرض، ودراسة البيئات التي يمكن أن تدعم الحياة، وكذلك التحقيق في التفاعلات بين الكواكب ونجومها، واستكشاف كيف يمكن أن يؤثر ذلك على الحياة، وأيضا درسه التغيرات التي تطرأ على الكائنات الارضية في الفضاء.

يجمع علم الأحياء الفلكي بين المعرفة والتقنيات من العديد من المجالات العلمية، بما في ذلك علم الفلك، وعلم الأحياء، والكيمياء، والجيولوجيا، وعلوم الغلاف الجوي، وعلوم المحيطات، وهندسة الطيران.

تاريخ علم الاحياء الفلكية

يمكن القول بأن أول تجربة في علم الأحياء الفلكي كانت للعلمين ستانلي ميلر، وهارولد أوري من جامعة شيكاغو في عام 1853، والتي قاما فيها بمحاكاة الظروف على الأرض البدائية وأظهروا أن المركبات الكيميائية التي تعتبر اللبنات الأساسية للحياة نشأت بشكل طبيعي من عمليات كيميائية بسيطة.

وجدت تجربتهم أنه باستخدام الماء والأمونيا والهيدروجين والميثان فقط بالإضافة إلى شرارة كهربائية لتقليد البرق، تم تشكيل العديد من سلائف البروتين (الضرورية للحياة) بما في ذلك الأحماض الأمينية.

 صورة وهارولد أوري في تجربته مع ستانلي ميلر عام 1853
منظر1: صورة هارولد أوري في تجربته مع ستانلي ميلر عام 1853

بعد هذه التجربة لم يكن مصطلح (علم الأحياء الفلكية) يظهر إلا بين الحين والآخر قبل أن يشيع استخدامه في التسعينيات.

ففي عام 1941 نُشر مقال بعنوان (علم الأحياء الفلكية) كتبه لورانس لا فلور (Laurence Lafleur) أستاذ الفلسفة في كلية بروكلين في نيويورك يصف فيه هذا المصطلح وصفاً أدق من صيغته الحديثة بأنه دراسة الأحياء خارج كوكب الأرض.

واستخدم أوتو ستروف (Otto Strue) أستاذ الفلك في جامعة كاليفورنيا أيضاً هذا المصطلح في عام 1955 ليصفت البحث عن كائنات حية خارج كوكب الأرض.

ونُشر كتابان لكل من عالم الفيزياء الفلكية الروسي غافرييل تيكوف (Gavrill Tikhov ) في عام 1953، والفلكي الألماني يواكيم هیرمان (Joachim Hermann في عام 1974، بعنوان (علم الأحياء الفلكية)، تناولا فيهما الأفكار الشائعة عن وجود كائنات حية خارج كوكب الأرض.

أما الاستخدام الحديث لمصطلح (علم الأحياء الفلكية) فقد قدمه ويسلي هانترس (Wesley Huntress)في عام 1995، والذي كان يعمل آنذاك في مقر ناسا في واشنطن.

منذ ذلك الحين أصبح علم الأحياء الفلكية تخصص مستقل عن باقي علوم الفضاء.

مجالات أبحاث علم الأحياء الفلكية

يمكن تصنيف المجالات الرئيسية لأبحاث علم الأحياء الفلكية إلى قسمين أساسيين هما:

1. ابحاث بيولوجيا الفضاء حول الظروف التي يمكن أن تنشأ فيها الحياة.

لا تنشأ الحياة إلا في وجود ظروف محدده، وتتمثل هذه الظروف في بعض العوامل مثل:

  • ‏ الماء السائل
  • الغلاف الغازي
  • درجة الحرارة
  • الأكسجين

رغم ان هذه العوامل مهم لوجود أشكال الحياة المتنوعة إلا أن هناك بعض أشكال الحياء الدقيقة التي لا تحتاج إلى وجود الماء لكي تعيش فإنها تتغذى على مواد أخرى مثل كبريتيد الهيدروجين أو غيرة، وتعيش في درجات حرارة مرتفعة أو منخفضه جداً.
‏ وجود هذه الحياء تجللنا متأكدين من وجود أشكال أخرى من الحياة في الكون وفي ظروف بيئية أخرى.

من أشهر الأمثلة على هذه الكائنات التي تعيش في بيئية مختلفة هو (دب الماء) المعروف أيضًا باسم (التارديجرادا).
‏ دب الماء حيوان مجهري لافقاري، لا يتجاوز طوله الملليمتر.

منظر٢: دب الماء

‏يستطيع دب الماء تحمل درجة حرارة عالية تصل إلى 180 درجة مئوية.

ويستطيع هذا الحيوان تحمل برودة شديدة تصل إلى 273 درجة تحت الصفر.

كما يستطيع تحمل إشعاعات جاما القاتلة.

ويمكن أن يعيش دب الماء لأكثر من 200 سنة.

في عام 2007 أرسلت وكالة ناسا حيوان (دب الماء) إلى الفضاء في تجربة علمية لمحطة الفضاء الدولية، والغريب أن هذا الحيوان المجهري استطاع البقاء على قيد الحياة طوال فترة التجربة، وتحمل جميع الظروف القاسية في الفضاء.

البحث عن الماء في الفضاء

يعد البحث عن الماء في الفضاء من أهم أهداف بيولوجيا الفضاء، ويعتبر تطبيق عملي على المبحث الأول لعلم بيولوجيا الفضاء.

وجود الماء في صورته السائلة يرجع إلى وجود الكوكب في نطاق حراري معين بعيد عن نجمه، على سبيل المثال في مجموعتنا الشمسية يوجد الماء في صورة السائلة على كوكب الأرض والذي يبعد عن الشمس مسافة قدرها ١٥٠ مليون كيلومتر.

اما في الكواكب القريبة من الشمس مثل عطارد والزهرة تكون درجة حرارة سطح الكوكب مرتفعة جدا لذلك يتبخر الماء، وفي الكواكب البعيدة مثل المريخ وغيره تكون درجة الحرارة منخفض جدا فيتجمد الماء.

هناك عوامل أخرى لوجود الماء على سطح الكوكب مثل وجود الغلاف الغازي والذي يمنع خروج بخار الماء ويجعله يتساقط على في هيئة المطر.

حقيقة وجود الماء في الفضاء

يعد الماء مركب كيميائي بسيط، وقد وجد في الفضاء في العديد من الأجرام السماوية، وعلى الرغم من تعدد التوقعات لوجود الماء في الفضاء، إلا أن الاكتشافات العلمية المؤكدة لوجوده قليلة، وفيما يلي بعض هذه الاكتشافات:

أقمار كوكبي المشتري وزحل:


أكدات العديد من الدراسات أن الماء في بعض أقمار كوكبي المشتري وزحل، وهذين الكوكبين يعتبران من الكواكب الغازية، حيث يصعب تواجد الماء على سطحهما، إلا أن أقمارهما صخرية، وبالتالي فإن وجود الماء على سطحها أمر ممكن.

فقد كُشف عن وجود الماء على سطح ثلاثة أقمار لكوكب المشتري وهى (غانيميد ويوروبا وكاليستو)، بالإضافة إلى وجوده على سطح قمرين لكوكب زحل (إنسيلادوس وتيتان).

علاوة على ذلك يعتقد العلماء بوجود محيط مائي تحت سطح قمر غانيميد يحتوي على مياه مالحة، ومن المحتمل أن يكون محصوراً بين طبقتين من الجليد،

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد أيضاً أن قمر يوروبا وإنسيلادوس لديهما محيط من المياه تحت سطحهما على اتصال بالصخور الغنية بالمعادن، كما كشفت بعثة كاسيني التابعة لوكالة ناسا عن وجود الخطوط الجليدية تحت سطح قمر إنسيلادوس التابع لكوكب زحل.

منظر3: صورة توضح تكون خطوط الجليد تحت سطح قمر إنسيلادوس قمر زحل.
منظر4: صورة توضح وجود محيط متجمد على سطح قمر المشتري يوروبا.

سطح كوكب المريخ:


اكتشفت العديد من الدراسات وجود الماء في الحالة الصلبة على بعض مناطق سطح كوكب المريخ، حيث أسفرت العديد من المهمات الفضائية إلى المريخ عن اكتشاف وجود الثلج على سطحه في المناطق القطبية.

إلا أنه يتواجد بنسب قليلة جداً لا تسمح بوجود حياة، كما أنه لا يعتبر ماءً نقياً حيث أن سطح كوكب المريخ مغطى بأكاسيد الحديد والعديد من الأغبرة التي لا تجعل وجود الماء كافياً لوجود حياة.

منظر5: صورة لبعض الكتل الثلجية على سطح المريخ.

2. أبحاث بيولوجيا الفضاء حول تأثير العوامل الفضاء على الكائنات الارضية.

الكائنات الحياة التي تعيش على الأرض تخضع لبعض العوامل البيئية التي تأقلمت علية لملاين السنين مثل الضغط الجوي، والجاذبية، والسرعة دوران الأرض، ومستوى محدد من الأكسجين والغازات الاخرى، ومستوى محدد من الإشعاع.

وهذه العوامل تأثر في نمو الكائن الحي، ووظائفه الفسيولوجية، فتجد ظواهر مثل انتحاء النبات في اتجه ضواء الشمس والجاذبية، وغيرة من الظواهر التي تأتي بسبب هذه العوامل.

لكن في الفضاء أغلب هذه العوامل تنعدم فلا تجد في الفضاء جاذبية ولا ضغط ولا غلاف جوي يحمي من الإشعاع.

وبسبب انعدام هذه العوامل تحدث تغير بيولوجيا على الصعيد الخلوي، والفسيولوجي، وعلى عمليات التكاثر.

يدرس علم الأحياء الفلكي هذه التغيرات، وكذلك الجوانب المختلفة من العوامل الاخرى في الفضاء.

برنامج علم الحياء الفلكية التابع لوكالة ناسا

يعد برنامج علم الأحياء الفلكية الخاص بوكالة ناسا هو أفضل نموذج تطبيقي لهذا العلم حيث يدرس كيفية تأثير رحلات الفضاء على الأنظمة الحية في المركبات الفضائية مثل محطة الفضاء الدولية، أو في التجارب الأرضية التي تحاكي رحلات الفضاء.

‏تدرس التجارب التي تجريها وكالة ناسا على هذه المنصات كيف تتكيف النباتات، والميكروبات، والحيوانات مع العيش في الفضاء.

كذلك تدرس عمليات التمثيل الغذائي، والنمو، والاستجابة للتوتر، وعلم وظائف الأعضاء.

وكذلك تدرس كيفية إصلاح الكائنات الحية للضرر الخلوي، وحماية نفسها من العدوى، والأمراض في ظروف الجاذبية الضعيفة أثناء تعرضها للإشعاع الفضائي.

يقسم هذا البرنامج إلى ٥ أبحاث رئيسية وهي:

١. أبحاث بيولوجيا الحيون

الهدف من برنامج بيولوجيا الفضاء في مجال بيولوجيا الحيوان هو فهم الآليات الأساسية التي تستخدمها الحيوانات للتكيف أو التأقلم مع رحلات الفضاء والتغيرات في الجاذبية بشكل عام.

تستخدم مجموعه من الكائنات النموذجية التي تم تعريف الجينوم الخاص بها في هذه التجارب مثل الفئران، ومجموعة متنوعة من أنواع اللافقاريات، مثل الديدان الخيطية والحشرات.

‏استخدمت وكالة ناسا هذه الكائنات الحية النموذجية على نطاق واسع لتقييم المخاطر البيولوجية لرحلات الفضائية، وتوضيح الآليات الأساسية التي تستخدمها هذه الكائنات للتكيف مع الجاذبية الصغرى، وتطبيق هذه المعرفة لتعزيز الاستكشاف البشري للفضاء.

٢. أبحاث علم الخلايا والبيولوجيا الجزئية

يهدف هذا البحث إلى فهم كيفية استجابة الكائنات وحيدة الخلية، مثل الكائنات الأولية، والبكتيريا، والفطريات لظروف رحلات الفضاء.

‏وكذلك فهم كيفية استجابة جميع الخلايا المختلفة في الأنسجة أو الأعضاء المعقدة التي تعمل معاً لمساعدة الكائن الحي ككل على التأقلم مع هذه البيئة الأجنبية.

‏ومن اهداف هذا البحث أيضاً تحديد كيفية تأثير ضغوط بيئة رحلات الفضاء على الأنظمة الحية على المستويات الخلوية، والجزيئية باستخدام تقنيات ومقاييس الخلية المعاصرة والبيولوجيا الجزيئية.

‏وهذا يشمل توصيف وتحديد التغييرات في التعبير الجيني والبروتيني، ووظيفة الحمض النووي وهيكله، وتشكيل الهيكل الخلوي، والتواصل من خلية إلى أخرى.

٣. أبحاث علم الاحياء الدقيقة

آثار رحلات الفضاء على بيولوجيا الكائنات الحية الدقيقة وعلى المجموعات الميكروبية غير معروفة إلى حد كبير.

بالإضافة إلى كونها تشكل خطرًا على صحة رواد الفضاء، فإن الكائنات الحية الدقيقة المسببة للتآكل البيولوجي التي تنمو على الأسطح المعدنية في المركبات الفضائية يمكن أن تلحق الضرر بكل من المعدات والأجهزة.

‏على عكس سفن الرحلات البحرية على الأرض التي يمكن إخلائها وإفراغها وتنظيفها، لا يمكن حل المشكلات التي تنشأ بسبب التلوث الميكروبي في مهمات الرحلات الفضائية الطويلة الأمد إلا باستخدام الأدوات والموارد الموجودة بالفعل داخل السفينة.

‏ إن فهم كيفية نمو الأنواع الميكروبية وتفاعلها مع بعضها البعض في هذه البيئة هو الخطوة الأولى في التحضير لمثل هذا السيناريو.

في حين أن وجود بعض الميكروبات يمكن أن يكون مشكلة، فمن المهم أيضًا أن نذكر أن العديد من الأنواع الميكروبية تلعب أدوارًا مهمة في الأنظمة البيئية المختلفة للأرض.

للعلمين ستانلي ميلر، وهارولد أوري من جامعة شيكاغو في عام 1853، والتي قاما فيها بمحاكاة الظروف على الأرض البدائية وأظهروا أن المركبات الكيميائية التي تعتبر اللبنات الأساسية للحياة نشتساعد البكتيريا الزرقاء المنتجة للأكسجين والتي تعيش في المسطحات المائية الأرضية على تجديد الأكسجين الموجود على الأرض.

حتى البكتيريا التي تعيش داخل قنواتنا الهضمية تلعب دورًا مهمًا في هضم الطعام وامتصاص العناصر الغذائية بالشكل المناسب.

وجود بعض الميكروبات مهمًا للنمو السليم لبعض النباتات في الفضاء وقد يكون أمرًا بالغ الأهمية لإنتاج أنظمة دعم الحياة المتجددة الحيوية في المستقبل.

٤. أبحاث بيولوجيا النباتات

تساعدنا أبحاث بيولوجيا النباتات على فهم أساسيات نمو النبات من خلال فحص اللبنات الأساسية للحياة النباتية وصولاً إلى المستوى الجزيئي وذلك باستخدام انوع محدده من النباتات.
تجري أيضًا تجارب على الأرض باستخدام ضوابط الجاذبية الأرضية أو محاكاة الجاذبية الصغرى في مركز كينيدي للفضاء.

منظر6: أحد تجارب بيولوجيا النبات في محطة الفضاء الدولية.

 ‏٥. ابحاث علم الاجنة

ماذا يحدث للتكاثر وتطور النسل على مدى أجيال متعددة في الفضاء؟

هذا هو السائل الكبير الذي يسعى مختبر التكاثر والتنمية الجنسية التابع لفرع أبحاث العلوم البيولوجية والفضائية التابع لناسا إلى الإجابة عليها.

نظرًا لأنه لم يولد أي حيوان ثديي بعد في الفضاء، فقد لا تظهر الإجابة التي نسعى إليها لسنوات.

المصادر:

Space Biology Program، من موقع nasa، أُطلع عليها ٨/٢/٢٠٢٣

What Is Astrobiology، من موقع washington.edu، أُطلع عليها ١٠/٢/٢٠٣

دب الماء.. المخلوق الأكثر غرابة في جميع البيئات، من موقع الجزيرة، أُطلع عليها ١٠/٢٢٠٢٣

Exobiology، من موقع sciencedirect.com، أُطلع عليها ١١/٢/٢٠٢٣

ما هي بيولوجيا الفضاء

مجال علمي يهتم بدراسة الحياة في الكون

ما هي أبحاث بيولوجيا الفضاء

1. ابحاث بيولوجيا الفضاء حول الظروف التي يمكن أن تنشأ فيها الحياة.
2. أبحاث بيولوجيا الفضاء حول تأثير العوامل الفضاء على الكائنات الارضية.

برنامج علم الحياء الفلكية التابع لوكالة ناسا

هو برنامج يهتم بدراسة العوامل المؤثرة على الحياة في الفضاء

اترك تعليقاً

انتقل إلى أعلى