التعايش بين الكائنات الحية

أمثلة على التعايش بين الكائنات الحية في الطبيعة

ينبع التعايش بين الكائنات الحية من قدرتها على التكيف تارة مع الحياة والكائنات الأخرى وتارة مع بني جنسها، فالبشر لديهم قدرة عالية على التعايش في مجتمعات وكذلك الكائنات الحية.

تفقد الكائنات الحية قدرتها على التعايش أحيانا مما ينتج الصراع، الصراع القائم بين أفراد تلك المجموعة بسبب عدم قدرتهم على التعايش مع بعضهم، وعلى التوازي هناك البشر ودرجتهم العالية في التكيف مع كافة البيئات والكائنات ودرجة تعايشهم مع بعضهم البعض.

يرتبط التعايش بمفهومة العلمي مع قدرة الكائن الحي على بناء علاقة متوازنة مع فرد أو أفراد البيئة.

تعريف التعايش

تعريف التعايش في الأحياء على أنه علاقة بين كائنين مختلفي النوع، على أن يستخلص أحدهما (المتعايش) فوائد من النوع الآخر (المضيف) دون التسبب في ضرر له.

يحصل الكائن المتعايش على الطعام، المأوى، الحركة، أو الدعم في فترة وجيزة أو مدى الحياة.

كل ذلك مختلف مع:

  • العلاقة التبادلية بين الكائنات: حيث يستفيد كِلا النوعين من بعضهما البعض لتحقيق مبدأ التعاملات الشهير (مكسب – مكسب)، فالربح للجميع.
  • علاقة التطفل: حيث يستفيد نوع على حساب آخر.

أنواع التعايش بين الكائنات الحية

مصطلح “التعايش” صاغه عالِم الحيوان والحفريات البلجيكي (بيتر جوزيف) لوصف الكائنات التي تتغذى على الميتة، فهي تنتمي للحيوانات المفترسة لأنها تأكل ما تبقى من الصيد، ولعل الضبع أشهر الأمثلة على الحيوانات المفترسة آكلة الميتة.

فالحيوانات المفترسة الصيادة تأتي بالفرائس، والكائنات الأخرى تأكل ما تبقى من عظم ولحم وأحشاء.

هناك أربعة أنواع من التعايش، اعتمادًا على نوع العلاقة بين الكائنات الحية:

  1. الاستنكاف أو الاستقصاء “inquilinism”: هي الحالة التي يعيش فيها حيوان ما بشكل متكافئ في عِش، جُحر أو مكان كان يسكن فيه حيوان من نوع آخر، مثل طائر يعيش في حفرة داخل شجرة، فالطائر لم يصنع الحفرة، بل صنعها كائن آخر.
  2. الاحتضان “Metabiosis“: شكل من صور التعايش الذي يوفر فيه كائن حي بيئة مناسبة للآخر، مثل الديدان التي تعيش في بقايا الجثث، أو السرطان الناسك القاطن لصدفة كائن آخر.
  3. الترحال “Phoresy”: علاقة تعايش مؤقتة يرتبط فيها كائن بآخر من أجل الترحل والانتقال، مثل الديدان الألفية مع الطيور، وخيار البحر مع الروبيان.
  4. التجرثم “Microbiota”: تعايش الكائنات الحية الدقيقة التي تُشكل مجتمعات داخل الكائن الحي المُستضيف لها، وتشمل البكتيريا الموجودة على جلد الإنسان.

مثال على التعايش بين النباتات

نمو زهرة السحلب على فروع الأشجار

زهرة السحلب
مظهر 1: زهرة السحلب (الأوركيد – Orchids) في علاقة تكافلية مع الأشجار

مفهوم: السحلبية هي عائلة من النباتات المزهرة النامية على جذوع وأغصان الأشجار، وتدخل بعض الأنواع في شراب السحلب اللذيذ.

توجد هذه النباتات بشكل شائع في الغابات الاستوائية الكثيفة، وتعتمد تلك الزهرة على الشجرة المضيفة للحصول على ضوء الشمس والمواد الغذائية التي تنساب على الأغصان.

كما تبقى تلك الأزهار صغيرة، ولا تؤذي الشجرة المضيفة بأي شكل من الأشكال.

تمتلك زهرة السحلب عملية التمثيل الضوئي الخاصة بها ولا تمتص أي مغذيات من الشجرة، فقط الماء الذي يتدفق على اللحاء الخارجي، ومن ناحية أخرى، لا تكتسب النباتات المضيفة أي فوائد من زهرة السحلب.

أمثلة على التعايش بين الحيوانات

1. ابن آوى الذهبي والمفترسات العُليا

ابن آوي الذهبي
مظهر 2: حيوان بن آوي الذهبي ومجموعة نسور في الخلفية

عندما يبتعد بن آوي الذهبي (ذئب القصب) من القطيع فلن يكون قادراً على الصيد بمفرده.

وبدلاً من ذلك سيتطلب الأمر من ابن آوي تتبع المفترسات العليا (النمور والذئاب) لأكل بواقي صيدهم.

2. القرش والأسماك الماصة

سمكة الريمورا
مظهر 3: سمكة القرش وتعايش الأسماك الماصة

مفهوم: الريمورا أو السمكة الماصة هي سمكة صغيرة يتراوح طولها ما بين قدم إلى ثلاثة أقدام.

تطورت الزعانف الظهرية الأمامية بمرور الوقت في الأسماك الماصة إلى عضو يشبه كوب ماص في أعلى الرأس، حيث يسمح لها ذلك الكوب بالإلتصاق بسمكة القرش في بطنها أو جانبها السفلي، كما لا تقتصر على القرش فقط، بل تلتصق بالحيتان وأسماك الشيطان أيضاً!

يستفيد كِلا النوعين (سمكة القرش والأسماك الماصة) حيث تأكل الريمورا بقايا الفرائس التي أسقطتها القرش، وفي المقابل تتغذي على الطفيليات الضارة الموجودة على جلد القرش وفمه لتنظيفه.

3. الحيتان والقشريات البحرية

الحوت والقشريات
مظهر 4: القشريات البحرية (البرنقيل) يلتصق بالحوت

مفهوم: البرنقيل عبارة عن قشريات بحرية غير قادرة على الحركة بمفردها، ولذلك تلتصق بالكائنات الحية الأخرى خلال مرحلة اليرقات.

يوجد علاقة تعايش، علاقة يستفيد فيها أحد الأنواع (البرنقيل) دون أن يتأذى أو يستفيد الآخر (الحوت)، كما لا يكتفي البرنقيل بالالتصاق بالحيتان فقط، بل يمتد ليلتصق بالأصداف والسفن.

تنمو تلك القشريات البحرية وتتطور على هذه الأسطح دون أن تؤثر سلبًا على المضيف، حيث تتغذى على العوالق وغيرها من المواد الغذائية الهائمة في الماء أثناء تحرك الحيتان.

وبهذه الطريقة تستفيد القشريات من الحيتان بالنقل والتغذية، وليس لها علاقة بدم أو للحم الحوت، لذلك فهي لا تسبب أي ضرر للحوت.

4. خيار البحر والروبيان

الجمبري الامبراطور
مظهر 5: يتواجد الروبيان على خيار البحر

الروبيان (الجمبري) الإمبراطور هو أحد أنواع القشريات الشائعة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، غالبًا ما نراه مرتبطًا بخيار البحر حيث يستفيد منه بالنقل والحماية من الحيوانات المفترسة دون إهدار طاقة.

يخرج الروبيان من الخيار (المستضيف) ليتغذى أو يلتصق بآخر وذلك عندما يريد الانتقال إلى منطقة ثانية، فجمبري الإمبراطور صغير وخفيف لا يؤثر على حركة الخيار بأي شكل من الأشكال.

5. أبو قِردان والماشية

أبو قردان على ظهر بقرة
مظهر 6: أبو قردان على ظهر بقرة

على عكس الأسماك الماصة، يقف أبو قردان على ظهور حيوانات الرعي الكبيرة، مثل الماشية والخيول للاستفادة من الطعام، فعندما تتحرك الكائنات الثقيلة على الأرض، تقفز الطيور الصغيرة وتلتقط الحشرات المكشوفة بسبب حركه الماشية.

كما أنها تسري خلف الآلات الزراعية لنفس السبب، بل إنها تتجول في الحقول المجاورة للمطار، في انتظار الطائرات لتحريك العشب أثناء الإقلاع والهبوط.

وتمثل هذه الأشكال من التغذية الانتهازية حوالي 50٪ من غذاء أبو قردان وحوالي ثلث طاقته فقط.

6. الخنافس والعقارب الزائفة

خنفساء وعقرب
مظهر 7: عقرب مزيف يقترب من خنفساء الفطر

تظهر العقارب الكاذبة معايشة ترحال، فهي تلتصق بالأسطح المكشوفة للحيوانات مثل فرو الثدييات أو تحت أجنحة الخنافس والنحل.

وبهذه الطريقة، فإن المخلوقات التي تشبه العقرب، ولكن لا تلدغ، تتلقى الحماية باستخدام الخنافس، ولصغر حجمها فإنها لا تكاد تسبب أي إزعاج للكائن الذي يحميها.

7. السرطان الناسك وبطنيات القدم

السرطان الناسك
مظهر 8: سرطان ناسك يستخدم قوقعة كائن آخر

معروف أن السرطان الناسك يبحث عن ملجأ في الأصداف، وفي كثير من الأحيان، تعتمد هذه القشريات الإسفنجية على قواقع بطنيات الأقدام منتهية الصلاحية لحماية نفسها.

فذلك مثالاً واضحاً على الاحتضان، حيث يشكل أحد الأنواع (الكائن الذي صنع الصدفة وتركها) موطنًا لكائن آخر.

8. الطيور والنمل الناري

النمل الناري
مظهر 9: مجموعة من النمل الناري تتغذى على فريسة

العلاقة المتكافئة بين النمل والطيور غير عادية وحساسة جداً، لأن كلاهما يمكن أن يفترس الآخر.

تتعقب الطيور النمل، ليس لتتغذى عليها، بل لأكل الحشرات الهاربة من النمل أثناء تحركه عبر أرضية الغابة.

تلتقط الطيور الفريسة بسهولة بينما يظل النمل بعيداً، حيث تتجنب الطيور أكل النمل بسبب طبيعته العدوانية والعضات المؤلمة السامة.

9. الديدان القاطنة لأجساد الميتة

مثال أقل جاذبية لتعايش الاحتضان عندما تسكن الديدان الجثث.

فهي لا تتغذى على العناصر الغذائية المتوفرة فحسب، بل تستخدم البيئة الرطبة لوضع بيضها، كما يعتمد الجيل التالي من اليرقات على مصدر الغذاء المباشر قبل أن تشق طريقها للخروج من بقايا الحيوان النافق.

10. الثعلب القطبي وغزلان الرنة

الثعلب القطبي
مظهر10: ثعلب قطبي يأكل بواقي الطعام

ينفض حيوان الرنة الثلج والوحل مما يساعد على جلب مصادر الطعام المفضلة للثعالب بشكل غير مباشر، وذلك من خلال قيام الحيوانات العاشبة وممتلئة الجسم كالرنة بالحفر في الثلج بحثاً عن النباتات والأعشاب.

بعد أن تهدأ الأمور مع الرنة، تظهر القوارض على السطح، وعند هذه اللحظة ينقضّ الثعلب لاصطيادها، ومن المعروف أيضًا أن ثعالب القطب الشمالي تبحث عن بقايا طعام الدببة القطبية.

أمثلة على تعايش الحيوانات والنباتات معاً

1. بذور الأرقطيون على الحيوانات

بذور الأرقطيون ملتصق بفرو حيوان
مظهر 11: بذور نبات الأرقطيون معلقة على فرو كلب

إذا تمشيت لدقائق عبر الحقول بملابس خشنة في أمريكا الشمالية، فمن المحتمل أنك التقطت عددًا من بذور هذه الأعشاب الشائكة في ملابسك.

يستخدم نبات الأرقطيون رؤوس أزهاره الكروية الشائكة لتوسيع إنتشاره.

فعندما تمر حيوانات ذات فرو بجانبه، فإنها تلتقط بشكل طبيعي هذه البذور، فهي حادة بدرجة كافية لتلتصق بفراء الكائنات، ولكنها لا تصل لاختراق جلود الحيوانات السميكة.

يمثل هذا بشكل دقيق شكلاً خاصاً من أشكال التعايش يُعرف باسم الترحال، حيث تستخدم بعض الأنواع المتعايشة كائن آخر للانتقال.

2. البومة والأعشاش المهجورة

البوم المرقط
مظهر12: البوم المرقط في جوف شجرة

تعشش معظم البوم في التجاويف الطبيعية في الأشجار، المنحدرات أو المباني، بالإضافة إلى أعشاش الصقور أو الغربان المهجورة.

ونظرًا لأنهم لا يبنون أعشاشهم بأنفسهم في الأشجار، فإنهم لا يسببون أي ضرر لها، ويُعرف هذا النهج من التعايش باسم الاستقصاء، وهو شكل من أشكال التعايش حيث يستخدم كائن حي مسكن فارغ لكائن آخر.

3. الفراشة الملكية ونبات الصقلاب

الفراشة الملكية على زهرة
مظهر 13: الفراشة الملكية ونبات الصقلاب

أثناء مرحلة اليرقات، ترتبط الفراشات بأنواع معينة من نبات الصقلاب الذي يحتوي على مادة كيميائية سامة تُدعى جليكوسيد القلب (Cardiac glycoside)، وتلك المادة ضارة بالفقاريات، ولذلك تتجنب أصلا معظم الحيوانات ملامسة الصقلاب.

تقوم الفراشات الملكية باستخراج السموم من الصقلاب وتخزينها طوال فترة حياتها، لذلك تجد الطيور طعم الفراشات الملكية مقيت، وبالتالي تتجنب أكلها.

وتعتبر يرقات الفراشة الملكية مقاومة للسم، وبالتالي لا تتأثر.

4. الضفادع وأوراق الأشجار

ضفدع الشجرة
مظهر14: ضفدع يختلس النظر من الأوراق

تعتمد ضفادع الأشجار على النباتات المورقة للحصول على المأوى والحماية.

على عكس طيور التعشيش، فقد أقامت هذه البرمائيات مكانا تحت الأوراق الكبيرة للتمويه من الحيوانات المفترسة والاختباء من الأمطار الغزيرة.

تتواجد ضفادع الأشجار في كل القارات إلا القارة القطبية، لذا أينما كنت، ألق نظرة خاطفة تحت أوراق النباتات، وقد تكتشف فقط عددًا قليلاً من هذه المخلوقات الجميلة المختبئة.

الخُلاصة

لقد شكلت النباتات والحيوانات والمخلوقات الموجودة على الأرض العديد من العلاقات التعايشية الإبداعية فيما بينها، وعلى الرغم من تجلي تلك العلاقات في نواحِ كثيرة من الحياة، فإن العلاقات المفيدة والصافية المذكورة أعلاه تمثل الجانب الممتع من الطبيعة.

فهناك التعايش مع كائنات أكبر لأجل الحماية والنقل، وهناك للتغذية والمسكن، وكذلك للتنظيف.

اترك تعليقاً

انتقل إلى أعلى