الأستيل كولين

الأستيل كولين: تعريفه، وتأثيره، دراسته، وتثبيطه، ومستقبلاته

هلا تساءلت يوماً كيف تنتقل أفكارك من الرأس لتُنفذها اليدين؟ ما الذي يُساعدها حقاً لتفعل ذلك وهل تنتقل عبر السيارة أم عبر القطار؟!

أنا مُتأكد من أنك لم تُلقِ للأمر أي اهتمام من قبل.

الاهتمام! التذكر! النسيان! ما الذي يساعدنا على التذكر وبقاء سجلات الأحداث راسخة في عقولنا؟

إنه الناقل العصبي الذي يُسمى بالأستيل كولين والمسؤول عن كٌل ذلك بالتعاون مع إخوته من النواقل العصبية.

ما هو الاستيل كولين؟

الأسيتيل كولين: ناقل كيميائي عصبي شديد النشاط ينتشر عند التقاء الخلايا العصبية ببعضها في منطقة تُدعى التشابك العصبي “synapse“، ويلعب دوراً مهماً في ربط الأعصاب ببعضها البعض ونقل النبضات العصبية الكهربائية خلالها.

يعتبر الأسيتيل كولين جهاز إرسال مهم في العديد من مناطق الدماغ وعند مواضع التقاء الأعصاب ببعضها البعض.

تفاعل الأستيل كولين
الأستيل كولين عند انتقاله

ينشأ الأستيل كولين داخل الأعصاب الطرفية من مادة “الكولين“، وينتقل عبر سائل داخل الأنسجة وصولاً إلى العصب المقصود لنقل الرسائل العصبية له.

يُخزن الأسيتيل كولين في نهاية العصب ويبقى معزولاً في حويصلات صغيرة في انتظار إطلاقها.

تاريخ الاستيل كولين

علم التشريح ليس بالجديد على البشرية فقد عرفته مصر القديمة وحضارة المايا والإغريق، ولكن بالتأكيد تطورت العلوم التشريحية شكلاً ومضموناً عمّا كانت عليه في السابق.

بحلول أوائل القرن العشرين، كان لدى العلماء فكرة واضحة بشكل معقول عن التشريح بصورة عامة وخاصة تشريح الجهاز العصبي، كانوا يعرفون أن الخلايا العصبية تُشكل الوحدة البنائية للجهاز العصبي الإنساني.

لقد عرفوا أيضاً أن الرسائل العصبية تنتقل على هيئة إشارات كهربائية دقيقة على طول الخلية العصبية، ثم تعبر خلال محاور الخلية العصبية لتنتقل إلى تشعبات الخلية التالية.

لم تكن آلية وسبب انتقال الرسائل العصبية بين خليتين (عصبونين) متجاورين معروفة آن ذلك، ظل الأمر مجهولاً إلى أن قلب الطاولة طبيب الأعصاب البريطاني “توماس آر إليوت”، فقد افترض في عام 1903 وجود مُركب كيميائي يحمل تلك النبضات العصبية وينقلها من خليه لأخرى.

افترض “إليوت” أن ذلك المركب يُحتمل أن يكون “الأدرينالين” الذي يلعب دور الناقل الكيميائي العصبي كما هو معروف اليوم.

مر ما يقرب من عقدين قبل الحصول على أدلة تؤكد فرضية ذلك الطبيب، وفي عام 1921، ابتكر عالم الصيدلة “أوتوا لوي” طريقة لإجراء اختبارات يمكن من خلالها استنتاج أدلة توضح صحة افتراض “إليوت”.

وفي تجربته عام 1921، وجد “لوي” عندما قام بتحفيز الأعصاب المرتبطة بقلب ضفدع، أن هذه الأعصاب قامت بإفراز مادتين كيميائيتين على الأقل، أعتقد حينها أن أحدهما هو “الأدرينالين” ولكن الثاني مجهول.

سُرعان ما وصلت أنباء ذلك الاكتشاف إلى علماء آخرين في ذات المجال، من بينهم عالِم كبير في وظائف الأعضاء يُدعى “هنري ديل”، وقد كان حينها مُهتماً بدراسة المواد الكيميائية التي يفرزها فطر “الأرغوت Claviceps”.

فطر “الأرغوت” هو فطر طفيلي لديه سنابل تشبه القمح والشعير ويُستخدم في الأغراض الطبية.

وأثناء دراسته، قام بعزل مركب كيميائي من “الإرغوت” ينتج عنه تأثيرات على الأعضاء تُشبه تلك التي تنتجها الأعصاب في تجارب “لوي” الذي أجرى تجربة التأكد من وجود الأدرينالين، وأطلق على ذلك المركب اسم الأستيل كولين.

عندما علموا باكتشافاتهم المتشابهة، اقترح “لوي” أنهم تعاونوا في اكتشاف مركب جديد وهو الأستيل كولين، لذلك تشاركا كُلاً من “لوي وديل” جائزة نوبل عام 1936 في علم وظائف الأعضاء والطب.

دراسة الأستيل كولين

الآن تبين وجود الأستيل كولين في الأعصاب، ولكن ما الآلية الدقيقة التي يحمل بها الأسيتيل كولين الرسائل العصبية؟

قام الأسترالي “جون كارو” وعالم الفيزياء “برنارد كاتز” بتطوير طريقة لإدخال أقطاب كهربائية دقيقة في الخلايا وقاموا بدراسة التغيرات الكيميائية والفيزيائية التي تحدث عندما يمر الناقل العصبي (الأستيل كولين) عبر المشبك العصبي.

المشبك أو التشابك العصبي: هو منطقة تلاقي الخلايا العصبية مع بعضها ويمر خلالها السيال العصبي من خلية إلى أخرى.

اكتشف “كاتز” أن الناقلات العصبية مثل “الأسيتيل كولين” يتم إطلاقها على هيئة حزم صغيرة مُخزنة في بضعة آلاف من الحويصلات، كما وضع وصف دقيق لها عندما تكون في حالة النشاط والراحة،

خلية عصبية

حصل كُلاً من“إكليس وكاتز” على جوائز نوبل في علم وظائف الأعضاء والطب في عامي 1963 و1970.

عند إنطلاق إشارة كهربية من المُخ تبدأ تلك الحويصلات في إطلاق الأستيل كولين إلى الخلايا العصبية أو عضلية أو حتى الغُدد، وبالتالي يتم تحويل الإشارات الكهربائية إلى رسائل كيميائية تفهما العضلة أو الغُدة.

يسمح ذلك بتمرير الرسائل بين الخلايا العصبية وبعضها أو بين الخلايا العصبية والخلايا الأخرى.

يُطلق على هذه العملية اسم “النقل العصبي الكيميائي” وقد تم توضيحها لأول مرة عام 1921 في محاولة لفهم أعصاب القلب.

تأثير الأستيل كولين

أصبحت طريقة العمل الكيميائية والحيوية “للأستيل كولين” واضحة بما يكفي للكشف عن تأثيرات الأستيل كولين الفسيولوجية اعتماداً على تركيزه في الخلايا.

لذلك يؤدي حقن كميات صغيرة من الأستيل كولين إلى خفض ضغط الدم عن طريق توسيع الأوعية الدموية، وتُبطئ على إثرها ضربات القلب ويزيد تقلص العضلات الملساء وإفرازات الغدد الخارجية.

تُعرف التأثيرات السابقة مجتمعة باسم “التأثيرات المسكارينية Muscarinic Effects” لأنها تحاكي تأثيرات سُم المسكارين المتواجد في فطر “أمانيتا Amanita”.

فطر أمانيتا هو جنس من الفطريات يشمل حوالي 600 نوع من عيش الغراب السام والصالح للأكل.

ترتفع مستويات الأستيل كولين عند إعطاء “الأتروبين“، مما يتسبب في ارتفاع ضغط الدم على غرار ما يُحدثه النيكوتين.

الأتروبين هو مركب كيميائي يُستخدم في التخدير وعلاج بعض حالات التسمم وأغراض طبية أخرى.

أنواع مستقبلات الاستيل كولين

ولفهم أعمق لكيفية إحداث الأسيتيل كولين مجموعة متنوعة من التأثيرات في الخلايا المختلفة، فمن الضروري ذِكر مستقبلات غشاء الخلية.

توجد أنواع مختلفة من المستقبلات على أغشية الخلايا التي تلتصق عليها الألياف العصبية والبعض منها مُخصص للأستيل كولين فقط، وتلك المستقبلات عبارة عن جزئيات بروتونية تتفاعل بشكل خاص مع الأسيتيل كولين.

عندما تتفاعل تلك المستقبلات مع الأسيتيل كولين، ينتج تفاعل فيزيائي حيوي يتسبب في حدوث انقباض أو انبساط أو إطلاق إفرازات الخلية المُستقبلة.

يوجد نوعان رئيسيان من مستقبلات الأسيتيل كولين الموجودة في أغشية الخلايا:

  • المستقبلات النيكوتينية“: توجد في العضلات الهيكلية.
  • “المستقبلات المسكارينية”: توجد في الغدد والعضلات الملساء والقلب.

هناك خليط من تلك المستقبلات في الدماغ، وتُستخدم تلك المصطلحات (النيكوتينية والمسكارينية) لأن النيكوتين يُحاكي الأستيل كولين عند تفاعله مع مستقبلات النيكوتين، بينما المسكارين يحاكي عمل الأستيل كولين في المستقبلات لمسكارينية.

إنهاء عمل الأستيل كولين

ينتهي عمل الأستيل كولين بسرعة خلال 10 مللي ثانية في العضلات الإرادية التي تتطلب حركة سريعة.

يعمل إنزيم “الاستيل كولين استراز” بدور المثبط الذي يحلل النواقل العصبية وخاصة الأستيل كولين إلى مادة الكولين وأيون الأسيتات (حمض الخليك).

عندها يتوفر الكولين مرة أخرى لإعادة امتصاصه في الأعصاب وبناء أستيل كولين جديد.

الاستيل كولين استراز

لكي يتلقى العصب نبضة أخرى، يجب إطلاق الأسيتيل كولين من المستقبل الذي يرتبط به، ولن يحدث ذلك إلا إذا كان تركيز الأسيتيل كولين في التشابك العصبي منخفض.

 إذا توقف إنزيم “الاستيل كولين استراز” عن عملة في تفكيك الأستيل كولين، فإن تركيز النواقل العصبية سيبقى أعلى من المعتاد مسبباً المشاكل.

على الرغم من خطورة تثبيط الإنزيمات إلا أنه توجد بعض التأثيرات المفيدة التي يُمكن التحكم بها حيث توجد أدوية تثبيط إنزيم “الاستيل كولين استراز” مما يعمل على تحسين الذاكرة لدى بعض الأشخاص المصابين بالزهايمر.

إذا كان التثبيط لا رجعة فيه، كما في حالة التعرض للعديد من غازات الأعصاب السامة وبعض المبيدات، فيمكن أن يحدث تعرق وانقباض الشعب الهوائية والتشنجات والشلل وربما مفارقة الحياة.

الأستيل كولين والدوبامين

مقارنة بين الأستيل كولين والدوبامين

الخُلاصة

يعمل الأستيل كولين كجهاز إرسال بين الأعصاب الحركية وألياف العضلات الهيكلية في جميع الوصلات العصبية العضلية لذا توازنة حيوي جداً بالجسم.

في التشابكات العصبية العضلية يتم توصيل الخلية العصبية بغشاء الخلية للألياف العضلية فيما يسمى بالصفيحة الخلوية.

وعند إطلاق الأستيل كولين من الحويصلات، يعمل على الفرور متسبباً في سلسلة من الأحداث الكيميائية والفيزيائية بدءاً من الاستقطاب حتى إزالة الاستقطاب والتي تنتج تقلص ألياف العضلات وحركتها.

 
 
 
 
 
 
 

الأسئلة المُتَدَاوَلة

الناقل الأول بالجسم يكون له أهمية بالغة حيث يشارك في التأثير على الذاكرة والنوم وحركات العين وانقباضات العضلات الهيكلية وبعض التأثيرات الأخرى.

يتكون الأستيل كولين بصورة رئيسية من مادة الكولين المتواجدة في البيض والبقول البحرية والخضروات المُختلفة كالقرنبيط.

اترك تعليقاً

انتقل إلى أعلى